top of page

فيروس الكبت يفتشي

هاجر زكري

جلبة من الناس، تجمع المارة حول بائع عند الرصيف، يبدوا أنها بضاعة للجنس اللطيف، فمعظمهن نساء مع ذكر رجل أو اثنين معية رفيقات دربهن٠ سرعان ما وجدت نفسي منكبة أساعد أمي و قريبتها في اختيار ما يروق لهما أولا أحيانا، لأن الثمن مغري جدا و كذا السلعة المعروضة.

ما هي إلا بضع لحظات حتى تعكر مزاجي كليا، اشتعلت عيناي امتعاضا و سخطا و صرت بالكاد أكثم اغتياظي و انفعالي٠ خيم علي حزن عميق و أحاسيس غريبة غمرتني ، لجام الدهشة يُذْهِب عني نعمة التكلم و أصفاد الخوف تكبل يداي.

من ناحية أخرى غضب، قوة،انتفاضة و حاجة ملحة في النطق، يقابلهم رعب شديد من تبعات ما قد يحدث، قوتان متعاكستان بداخلي كل واحدة تفرغ ما في جعبتها بإلحاح و استمرار، و يقف حكم الحسرة و الندم يعلن انتهاء شوط بالتعادل، صفر لصفر!

لا زال بكل جرءة يكرر فعلته المشينة، رغم نظراتي الحادة و المثبتة عليه، كان كالجرذ الصغير، يرمقني بعينيه الصغيرتين بقدر عود ثقاب، ثم سرعان ما يغير اتجاه نظره، صوب فريسة جديدة؛ بؤبؤه ربما يتغير من مكانه أسرع من تغير رغبات طفل صغير في اقتناء نوع من الحلوى أمام البقالة؛ واعيا، و حتى لا أكترث لذلك؛ فتحديقي لم يكبح رغبته الرديئة أبدا؛ أني شهدت جريمته البشعة تلك.

كالغراب ملابسه كلها سوداء و إني أذكره بقوة و أذكر أنها ليست بذلك السواد الكاحل، إنه أسود متسخ ممزوج برمادي باهت و يده؛ يده التي حق عليها القصاص و حل عليها أن تعلق في السوق و تكون عبرة و موعظة لكل أخ له في الخلق٠

يضع بأصابعه خاتمان أحدهما بسيط و الآخر ضخم يتوسطه حجر أسود، و كيف لي أن أنساه و نظري، سمعي، جوارحي، عقلي و كلي كان مثبتا بحافة العقرب أحول معه أينما حلل و يبقى جسدي بمركز الساعة دون حراك رغم هزات أمي له لطلب رأيي في المشتريات.

ليشتت الانتباه و يضل الناس و لا يفقه له شخص بما يفعله كان كل مرة يتحرش فيها بتلك النسوة يذهب و ينغمس وسط المارة كالثعبان الماكر، ثم سرعان ما يلتف وها هو عائد بكل جرأة و أنا لازلت في حافة العقرب أراقب حلقته الخبيثة و لعبته المكشوفة أمام من هم يرون فعلا.

لا أعلم إن كنت سببا في رحيله، بعد أن بدأ يتوتر قليلا، ربما من نظراتي الدائمة عليه أو أكثر عندما بدأت أشتكي لأمي و أشير إليه بالسبابة و هو عائد أدراجه حتى غاب عن الأنظار في الحين الذي انهالت عليه فيه أمي و قريبتها بسيل من الشتائم، و أنا إلى جانبهن ألوم النساء اللواتي لم تحركن ساكنا، فقط بعضهن ينظر بتعجب كأن شيئا لم يقع٠

لا يمكن أن أجعل من انهماكهن في شراء و مفاوضة البائع مبررا لسكوتهن، فقد رمقت اثنتين وقت تعرضهما للتحرش، تبادلتا معه نظرات قليلة مليئة بالفضول ربما و هذا ما دفعني للسكوت أكثر آنذاك و حتى بعد أن اختفى و انسدل ستار الحقيقة أمام الجميع، لم يبدين أية ردة فعل بل رمقتني إحدى الضحيات بنظرة تعجب و استغراب و هذا ما زادني غيظا و في نفس الوقت امتننت لسكوتي في البداية ، فهن لم يتضامنن معي في غيابه، فكيف سيفعلن في حضرته؟!

إنها الساعة الثالثة صباحا، لم يغمض لي جفن إثر ما حدث، فاخترت أن أدون ما جرى، لأخفف من روعي قليلا و لعل ذلك المحرك الرمادي يعطف عن آلته المنهكة من كثرة التفكير و التي كلما ظنت أن الفرج قد آن و النسيان قد حان، لكن هو فاصل قصير المدى فقط، حتى يعود هذه المرة يبدع في خلق السيناريوهات الشنيعة التي لا تخطر على البال.

11 views0 comments

Recent Posts

See All

Kommentarer


Post: Blog2 Post
bottom of page