top of page

أحمر الشفاه... حُمرة للتهريج والإغراء والتمرُّد...

هاجر اعزة

قصة أحمر الشفاه، لا تختلف عن القصص التي رويناها سابقاً، في جزئية أن أي شيئ يأخذ صفاته وأدواره من البيئة التي وُلد فيها. ويتغير بتغيُّرها حتى وإن بدى لنا ثابثاً...

وظيفة أحمر الشفاه، مثلا، لم تكن من البداية كأداة زينة للمرأة، فقد تغير دوره على مدار السِّنين والقرون.

في اليونان مثلاً، كان أحمر الشفاه يُفرض على النساء اللواتي يمارسن البغاء وضعه، كي لا ينخدع الرجال بهن. ليكون أحمر الشفاه هنا رمزاً للرذيلة والهرطقة وإغواء الرجال.

وخلال العصور الوسطى، منعت الكنيسة استخدامه واعتبرته من الطقوس الشيطانية وربطته بالسحر والشعوذة ليكون هنا رمزاً للعنة وسبب للطرد من رحمة الله.

لكنَّ ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى كانت مهووسة بحمرة شفاهها، كما آمنت أن له قدرات علاجية، غير أنه كان سبباً في تسمُّمها... ويقال أن الملكة إليزابيث شهدت صنع أول قلم حمرة في التاريخ خلال القرن 16.

وقبل سنوات من ذلك ،خلال سنة 1770 تحديداً، مُنع أحمر الشفاه مجدداً. فقد اعتبره البرلمان البريطاني شكلاً من أشكال الخداع لجذب الرجال للزواج واغوائهم لدرجة أنه اعتبر الزواج من امرأة تضعه باطلاً.

وبالعودة لرمزيات مستحضر التجميل هذا، فقد استعمله ممثلو مسرح " كابوكي" الياباني وكان رمزاً للرجل الشجاع يضعه الأبطال.. كما كانت تضعه ممثلات مسارح الغرب أيضاً...

وعن ظهوره، فالمرجًّح أن ظهوره كان مع الملكة السومرية " بوابي"، فقد كانت أول من استخدمته إلى جانب نساء الطبقات العليا اللواتي يتوفرن على ثمنه الذي كانا باهظاً حينها.

والطريف أنه- ونظراً لسعره الباهظ هذا- كان يدفن مع مالكته بعد وفاتها.

وإذا كانت بدايات قلم الحمرة مع السومرين، فإن تطوره كان على يد المصرين. فتبرج به رجال مصر ونسائهم لإبراز انتمائهم الطبقي الراقي.

والتطور المفصلي كان خلال القرن 19، عندما أصبح رمزاً من رموز الموضة والجمال مجدَّداً. غير أنه لم يكن مرحبَّا به بعد، فقد كان وضعه مقتصرا على البيت فقط، إذ كان من غير اللائق وضعه في الخارج على الرغم من استعماله من قبل الممثلات وبعض نساء الطبقة الغنية آنذاك إلا أن استعماله ظل مرتبطاً لدى العامة بالأعمال المنافية للأخلاق والرذيلة.

نفس قلم الحمرة هذا، صار رمزاً للثورة والاحتجاج بالنسبة للنسويات اللواتي يطالبن بحقوقن وبانصافن في المجتمع. فقد بدأت هؤلاء النسوة بحثِّ بنات جنسنَّ على استعمال هذا النوع من المستحضرات كنوع من التمرُّد على التقاليد القديمة. ليصبح هذا الأصبع الملوَّن الصغير رمزاً للتحرُّر المرأة وصوت احتجاجها...

المستفاد من هذا الدرس التاريخي القصير، أن كلَّ شيئ وإن رأيناه بسيطاً ككوب أو جهاز صغير هو حتماً مرتبط بسياق تاريخي معيَّن يحدد وظيفته في كل مرحلة تاريخية...

24 views0 comments

Recent Posts

See All

Commentaires


Post: Blog2 Post
bottom of page