top of page

لوحة الشيطان: الحلقة الخامسة

مفاجأة مرعبة استقبلتني في الداخل عندما دلفت إلى غرفتي، أظن أن شعري قد شاب مما رأيته في تلك اللحظة ، أشعر بألم هائل في عضلة قلبي، أحاول التراجع ولكن قدماي خارتا، وتحولتا إلى عودين من المعكرونة، وعجزتا تماما عن الاستجابة ومساعدتي على الهرب، أشعر بضيق في التنفس، ودوار يكتنف عقلي، وبأن هناك صاعقة ثلجية قد ضربت كل ذرة في كياني ... غامت الموجودات أمام ناظري لثوان، ثم سقطت على الأرض فاقدا للوعي.

عندما أفقت، كانوا قد رحلوا جميعا!.. تلفت حولي في جزع، وأنا أتسائل في حيرة ورعب، هل كان ما رأيته حقيقيا!؟ أم أنها أوهام وخيالات صنعها عقلي المكدود، هل كان هناك درزينة من الشياطين يجولون ويحومون في هواء غرفتي الضيقة منذ لحظات!؟. شياطين تبدو كأنها قادمة مباشرة من أعماق الجحيم، أحدها يبدو كالمستذئب، والآخر يبدو كالمينوتور في ميثيولوجيا الاغريق بجسد بشري متكتل بالعضلات ورأس ثور، والثالث يطير بجناحين وله رأس ثعبان، والرابع يحمل ثلاثة رؤوس قبيحة على جذعه، وغيرها من المخلوقات التي تحمل أوصافا مرعبة وقبيحة، يعجز عقلي ولساني عن وصفها.

كنت مازلت ملقا على الأرض أشعر بالألم في كل ذرة في جسدي، زحفت إلى فراشي، واستلقيت عليه، وغبت في نوم طويل، حتى المساء ... استيقظت على رنين طويل، مستمر على هاتفي المحمول، ألقيت نظرة سريعة على الرقم فلم أعرف صاحبه، ضغطت زر الرد، فجأني ذلك الصوت الأنثوي الرقيق من الناحية الأخرى وهو يقول:

- (مسعود)!؟

- أجل.

- أنا (رانية).

خفق قلبي بقوة، وشعرت أنه يريد أن يقفز من صدري ... من ساعات كاد يتوقف من الرعب، وهو الآن يوشك على التوقف من شدة الفرحة، أجبت بسرعة:

- مرحبا آنسة (رانية) ... هل أنت بخير الآن؟ ... علمت أنك ...

قاطعتني بسرعة، وبصوت جاد:

- اللوحة يا (مسعود) ... إنها ملعونة حاول التخلص منها بسرعة!

عجزت عن الرد، فواصلت هي حديثها قائلة:

- لقد مات (لعربي) بسببها، أرجوك حاول التخلص منها بسرعة، قبل أن تتسبب في موت آخريين.

قلت بسرعة محاولا طمأنتها:

- سأفعل، لا تقلقي، ولكنني أريد أن أقابلك لأفهم الموضوع بالضبط.

- حسنا سأمر عليك غدا، ولكن لا تنتظر، عليك أن تتخلص منها الآن.

أغلقت الهاتف بسرعة، ونظرت إلى اللوحة، وأنا أتمتم بصوت خفيض:

- حسنا، سأفعل.

هنا رأيته يظهر من العدم، يقف أمام اللوحة مباشرة هو يوليني ظهره، يحمل بين يديه فرشاته وألوانه، يرتدي سترة وسرولا ضيق وقبعة عملاقة، ثياب من الماضي البعيد، كان منهمكا في رسم أشياء على لوحتي مباشرة ... نهضت من الفراش، واقتربت بحذر، حتى صرت خلفه تماما، كانت الأشياء التي يرسمها قد بدأت تتضح، وهي تبدو لي كفتاة مذعورة بثياب النوم متكومة في ركن من الغرفة، وهناك ثعبان ضخم يقترب منها وهو فاغرا فاه ... ضربات أخرى من الفرشاة صارت صورة الفتاة أكثر وضوحا، فوجدت نفسي أصرخ بجزع:

- لا ... لا ... ليست (رانية)!

فالتفت إلي بوجهه المرعب المحترق، والمشوه، محجرا عينيه الخاليين، وصرخ في بصوت مرعب، متضخم كأنه يخرج من أعماق بئر سحيق:

- أقتلها ...

*

قال المحقق الشاب (لرانية)، شكرا لك على استقبالي في هذا الوقت المتأخر، دعته (رانية) للدخول، كان أباها وأخوها في الداخل، فسلم عليهما المحقق وهو يقول:

- عذرا على قدومي بهذا الشكل، في هذا الوقت المتأخر.

قالت (رانية) بلهجة متعاطفة:

- لا يوجد مشكلة ... أي شئ يساعد في القبض على قاتل (العربي)، أنا مستعدة لفعله.

دعا الأب الجميع للجلوس في غرفة (الصالون)، وهو يسأل المحقق عن المشروب الذي يفضله، اعتذر الأخير بأدب وهو يخرج هاتفه المحمول من جيب سترته، ويشغل (فيديو) مكتوم الصوت، ويناوله (لرانية) هو يقول:

- هذا (الفيديو) صورته (كاميرا) البنك المواجه للقصر، هناك أربعة أشخاص دخلوا القصر من بوابته الرئيسية في ساعة متأخرة من ليلة الجريمة، هل يمكنك التعرف على أحدهم؟

التقطت (رانية) الهاتف، وأخذت تتابع الفيديو باهتمام، قبل تهز رأسها وهي تقول:

- لا أعرف هذا الشخص.

تابعت المزيد، ثم أردفت:

- ولا هذا أيضا.

اتسعت عيناها في رعب، وهي تضع يدها على فمها وتحاول كتم صرختها، وهي تقول:

- هذا الرجل ... إنه (مسعود)!

*

غادر المحقق الشاب منزل (رانية) بعد أن حكت له كل شئ عن اللوحة الملعونة التي اشتراها (مسعود)، وعن زيارتها لمنزله بصحبة (لعربي)، وأعطته أيضا عنوان (مسعود) ورقم هاتفه ... كانت تشعر بالضيق، لم تكن تصدق أن (مسعود) يمكنه أن يرتكب جريمة بشعة كتلك، بالتأكيد هذه اللوحة الملعونة هي التي دفعته لذلك، حاولت أن تستلقي في فراشها وتنام ولكنها لم تستطع،فحاولت أن تقرأ كتابا ليساعدها على الاسترخاء ولكنها أيضا لم تنجح في دفع تلك الأفكار عن ذهنها، أخيرا قررت التوجه إلى المطبخ لتصب لنفسها كوبا من الحليب ليساعدها على التخلص من حالة التوتر والأرق التي تكتنفها ... كانت تسير في الردهة المظلمة كباقي غرف المنزل بعد أن أوى جميع أفراد العائلة إلى فرشهم، فجأة وصل إلى مسامعها صوت حركة خافتة يأتي من داخل المطبخ ... أيكون ذلك واحدا من أهلها توجه إلى المطبخ لنفس ليشرب الحليب هو الاخر ؟

2 views0 comments
Post: Blog2 Post
bottom of page