top of page

احب امرأة و شبحا : الجزء الثاني

اتصل بزوجي بالهاتف، يوما بعد يوم لأطمئن عليه، هل أنا (جبانة) لتركي له بمفرده في المنزل، وخصوصا بعدما تأكدت أنه مسكونا بالأشباح، على الأقل زوجي ما زال يجيب كعادته بأنه لا يوجد ما يريب في المنزل، وأنه نظيف كقلب مولود جديد، وأنه علي أن أعود إليه وإلى منزلي في أسرع وقت ... أسأله في حيرة، ألم ترى، أو تسمع شيئا غريبا!؟ فيقول:

- على العكس تماما، لقد رحل جارنا المزعج وأسرته عن الشقة التي تعلو خاصتنا، فأصبح منزلنا ينعم الآن بالهدوء أكثر من ذي قبل.

ثم يصمت للحظة، قبل أن يردف بصوت رومانسي، متهدج، يعرف أنه نقطة ضعفي:

- هل أمر عليك الآن يا طفلتي الصغيرة؟.. لقد غبت كثيرا عن بيتك الذي يكاد يجن شوقا لعودتك.

يقفز الدم إلى وجهي، وتتلجلج الكلمات على لساني، من حسن حظي أنه ليس أمامي، لأن خجلي واحمرار وجهي كانا سيكشفان ضعفي، ويجعلانه يتمادى أكثر في محاولاته للتأثير علي:

- ليس الآن يا حبيبي، دعني أبقى هنا يوم أو يومين آخريين حتى تهدء أعصابي.

فيرد متفهما:

- على راحتك، ولكن لا تطيلي الأمد، أنت تعرفين كم هي قاسية الحياة في غيابك.

أغلقت الهاتف، وأنا أشعر بتسارع ضربات قلبي، لو استمرت المكالمة لثوان أخرى إضافية، لرجوته وتوسلت إليه أن يأتي في الحال ليقلني، ولندمت بعدها عندما أجد نفسي من جديد في مواجهة ذلك الرعب ...

*

سألت أمي النصيحة، وسألت أبي، وصديقاتي، فنصحني البعض بأن أضغط على زوجي لكي يبحث لنا عن منزل جديد، والبعض لامني على ترك بيتي بتلك السهولة، بل أن إحدى صديقاتي، أخبرتني أن تلك المرأة ذات الثوب الأحمر هي (جنية) تضع عينيها على زوجي، وأنني بتركي المنزل لهما، أكون قد ساعدتها على تنفيذ مخططاتها الشيطانية، سألتها بصوت متوسل:

- وماذا أفعل؟ كيف لي بمواجهة (جنية)؟

فتحك أذنها ببنصرها وهي تفكر لثوان، قبل أن يشرق وجهها وهي تقول:

- وجدتها ... لا يوجد غير حل واحد.

فأسألها بلهفة:

- وما هو؟

فتجيب بصوت عميق، متصنعة الأهمية والغموض:

- الفقيه (الحبشي) افضل من يطرد الاشباح من الاجساد حسبك المنازل.

- حينها شعرت ان باب سجن كنت أعيش به قد فتح ولم أتوانى لحظة واحدة في أخد صديقتي لتدلني على مكان الفقيه فعبرنا عنده واخدناه معنا هو الاخر لايجاد حل لهذا الكابوس الذي ينغص حياتي

*


أضع المفتاح في قفل الباب، وأفتحه، وأدلف إلى المنزل ومعي صديقتي، وثالثنا الفقيه (الحبشي)، بعد أن وافق الأخير على أن يرافقنا إلى منزلي ليرى إن كان مسكونا أم لا ... الفقيه (الحبشي) هو رجل ستيني، له شعر أبيض ثلجي، ولحية مثلثة قصيرة، كان يرتدي سلهاما أسودا يزيد من هيبة شخصه وقوة حضوره، وتغلب إمارات الذماثة والوقار على وجهه، تزيد قوة الشكيمة على ملامحه المستطيل الخالي من التجاعيد رغم السن . كل ما علمت عنه هو أنه من المشاهير في عالم أسرار الجن والأرواح، وله بعض الكتب الصفراء التي تجدها ملقاة على أرصفة الشوارع عند باعة الكتب والمجلات القديمة، كما أنه له صولات وجولات خارج الديار، وهذا ما صنع شهرته في ذلك العالم السفلي، تقول صديقتي، أن الشيخ (الحبشي) يختلف عن باقي الدجالين الذين يعملون في هذا المجال نفسه، فهو لا يتقاضى مالا على عمله، وبخاصة عندما يقتنع أن من يأتي إليه في ضيق وبحاجة للمساعدة كما هي الحال معي ...

ومن اللحظة الأولى التي ولج فيه الفقيه(الحبشي) إلى منزلي، قال لي مباشرة وهو يعقد حاجبيه:

- لا شك في ذلك، هذا المنزل مسكون ...

قالها، وانطلق داخل المنزل، يتجول بين غرفاته، ويحدقني بنظرات وهو يومئ برأسه وكأنه يؤكد ما قاله ...


كان يتمتم بكلمات وأوقيات لا أفهمها، ويحرك يده الممسكة بقلادة تنتهي بحجر أسود، حركات دائرية وقطرية، وعندما بدت علامات الدهشة والعجب على وجهي ووجه صديقتي، قال موضحا:

- هناك روح تسكن هذا المكان ولها قصة في هذا البيت... هي روح أليفة وليست شريرة، اعتادت في حياتها السكنى هنا ... أنا أحاول طردها الآن!

من حسن الحظ أنني لم أخبر زوجي بنية قدومي إلى هنا، وهو الآن في عمله، لو رأى ذلك السيرك لما سلمت من سخريته لعقدين قادمين من الزمان ... انتهى الشيخ (الحبشي) من عمله، فاصطحبته إلى الباب، وأنا أشكر له صنيعه حاولت أن أؤدي له ثمن خدمته لكنه رفض رفضا قاطعا أن ياخد درهما واحدا مني، وقبل أن يذهب أخرج كيسا صغيرا من القماش الخاكي وأفرغ ما فيه في كفي، كان يحوي عدد أحجار صغيرة بيضاء اللون، أعطاها لي وقال:

- إخفي واحدا منها في كل غرفة من غرف المنزل، لقد ذهبت الروح، ولكن تلك الأحجار ستحمي المنزل من عودتها مجددا ...

كان صوته وكلامه يوحيان بالثقة، ولكنني لا استطيع أن أشعر يالثقة وبأن مشاكلي قد انتهت حتى أجرب المقام هنا، وأتأكد أن المنزل صار خاليا من الأشباح .

*

عدت إلى منزل والدي واتصلت بزوجي وببراءة الأطفال وكأنني لم أكن في المنزل من نصف ساعة، أخبرته أنني قررت العودة إلى المنزل وأنه يمكنه أن يمر علي بعد العمل ليصحبني إلى هناك ... استقبل زوجي قراري بالسعادة، وبالفعل استأذن من عمله مبكرا، وجلب لي هدية من الورود والشيكولاتة، ومر علي ليصحبني إلى المنزل، كان سعيدا، وراضيا عن قراري،شعرت بذلك من كلمات الحب التي استمر يصبها في أذني طوال الطريق من منزل والدي إلى منزلنا.

في الأيام التالية تأكدت من نجاح الشيخ (الحبشي) في عمله، لقد توقفت تماما كل تلك الأشياء والظواهر المرعبة التي كانت تحدث، لا أصوات، لا أثاث ينقل، لا خشب يستريح، والأهم من ذلك لا شبح لإمرأة بيضاء البشرة ... الشئ الوحيد الذي يقلقني هي حالة زوجي النفسية، لقد تغير زوجي كثير بعد يوم أو يومين من عودتي، في البداية استقبل عودتي بفرحة وسعادة، ولكنني الآن ألمح الحيرة، والضيق في عينيه، أشعر أنه يعاني من خطب ما، وعندما أسأله يخبرني بأن هناك مشاكل في العمل ... حالته تزداد طرا يوما بعد يوم، أنه لا يأكل كعادته، ولا يتكلم، حتى أنه نسى حلاقة لحيته في اليومين الأخيرين،من الواضح أنه يمر بمشكلة كبيرة، ولا يريد أني يخبرني بها ...

*

هذا الصباح دخل زوجي إلى دورة المياة، ونهضت كعادتي أجهز له ثيابة، أخرجت حافظته من البنطال لأضعها في بنطال آخر مغسول ومكوي، فسقطت منها ورقة على الأرض، التقطها بسرعة لأعيدها إلى مكانها ... ليس من عادتي تتبع أشياء زوجي والبحث في حاجياته، ولكن عيني وقعت دون قصد مني على ما في الورقة، إنها صورة (فواتغرافية) ملونة لإمرأة بيضاء البشرة، لها شعر أسود فاحم، ترتدي ثوبا أحمر ... أشعر أنني أعرف صاحبة هذه الصورة، لقد رأيتها من قبل، ولكن لا أذكر أين!؟ حاولت التذكر للحظات، حتى تذكرتها، انتصب شعر رأسي، وشعرت برجفة باردة تزحف فوق عمودي الفقري وأطرافي ... كون زوجك يحمل صورة إمرأة غيرك في حافظته هو شئ صاعق، ولكن أن تكون تلك المرأة شبح، فهذا شئ رهيب ومرعب، ويعجزك تماما عن الأتيان بأي ردة فعل مناسب للموقف:

- ماذا تفعلين!!؟

كان هذا هو صوت زوجي الهادر، الذي يحدق في الآن بنظرات غاضبة، حانقة، ومرعبة، لم أرها في عينيه من قبل ... لم استطع الرد، فاندفع نحوي وخطف الصورة من يدي، وصرخ في وجههي مجددا:


- ماذا تفعلين!؟ ماذا فعلت!؟

4 views0 comments
Post: Blog2 Post
bottom of page