بقلم : بثينة البحديدي
لم أكن يوما شغوفة بكرة القدم، لكن مونديال 2022 جاء بنكهة خاصة، جعلت جميع الفئات والأجناس تتابع أحداثه بحماس. كما أنه أعطى دروسا ملهمة للبشرية، انطلاقا من تشبث دولة قطر المنظمة لهذا الحدث العالمي بهويتها العربية والإسلامية، رغم الضغوطات التي تعرضت لها من الغرب وحملات المقاطعة التي روَّج لها إعلامهم بكثافة. لكنها لم تتنازل عن مبادئها وأثبتت جدارتها واستحقاقها لتنظيم المونديال، عبر اجتهادها وتنظيمها المحْكَم الذي شهد له الجميع. فالاختلاف الثقافي بين أقطاب العالم، لا يجب أن يكون نقطة خلاف وصراع بين الشعوب. بل هو جسر للتعارف والتكامل والتميز والانفتاح الفكري الحقيقي، يتمثل في احترام اختلاف الغير وهويته الثقافية. وقد مكَّن مونديال 2022 العالم من التعرف على الجوهر الحقيقي للإسلام والعرب، فقد لمس الغرب ماهية ثقافتنا وشعوبنا، عبر الاحتكاك المباشر بهم في دولة قطر، التي جعلتهم يشهدون بأم أعينهم كرم العرب والمسلمين، ناهيك عن حُسن ضيافتهم، وشهامتهم والعديد من القيم التي تفتقر لها المجتمعات الغربية. عكس ما يروج له إعلامهم من صور تحُطُّ من القيمة الحقيقية للمسلمين والعالم العربي. أما مفاجأة المونديال فتتجلى في منتخب أسود الأطلس، الذي زرع بذور الحماس والأمل داخل قلوب العرب والمسلمين جميعا. ابتداءا من المدرب وليد الركراكي الذي أبان عن كفاءة أبناء الوطن وحبهم وتفانيهم لبلدهم وشعبهم، وقد برهن هذا الرجل عبر مختلف المباريات، مدى أهمية الإيمان بالذات وبالقدرات الفردية وبأن المستحيل ما هو إلا وهم نرسِّخه في أذهاننا، بواسطة أفكار سوداوية تحط من أدائنا وتقص أجنحتنا مانعة إيانا من الوصول لأهدافنا. علَّمنا منتخب المغرب أن نتقن عملنا ونكرس جهدنا للنجاح فيه وأن نسَلِّم أقدارنا لله عز وجل (و نديرو النية)، أي أن نؤمن بأن الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملا. أفراد المنتخب الوطني رغم نجاحهم المهني وعيش أغلبيتهم في دول أجنبية، إلا أنهم ظلوا متشبثين بهويتهم وأخلاقهم وبارتباطهم بأسرهم وآبائهم، فلا ننسى صور اللاَّعبين وهم يشاطرون فرحة النجاح مع أمهاتهم وآبائهم الذين اشتعلت أعينهم بنور الفخر والاعتزاز بفلذات أكبادهم. فالإنسان مهما علا شأنه في الدنيا يبقى دائما بحاجة لسند الوالدين والأسرة، فهم خير ملاذ للمرء في الشدة قبل الرخف. ومن الأمور المهمة التي ظهرت خلال مونديال 2022، وحدة الشعوب العربية والإسلامية التي برهنت للجميع أنها كالجسد الواحد، ينبض قلبها فرحا لنجاح إخوانها وتدمع عيونها دما لألمهم. فقد لمسنا فرح الأمة لنجاح المنتخب المغربي، ورأينا حزنها عند خسارته، لكن الخسارة الظاهرية والمادية لا تعني نهاية العالم، فمكسب المنتخب أعظم بكثير، فقد أيقظ الأمل في الأرواح المعتمة، ونفض الغبار عن صورتنا الحقيقية التي وصل شعاعها العالم بأسره. ومع نهاية مشوار مونديال قطر 2022 الزاخربالدروس والعبر، أتمنى لكل مغربي وعربي فاقد للأمل، يائس من وضعه الحالي، أن يدشن صفحة جديدة تحت عنوان المستحيل ليس مغربيا ولا عربيا وأن ينطلق نحو مُراده بكل إيمان وحماس.
Kommentare