شقوق الماضي لا زالت تنزف
- Othmane El jadid
- 22 أغسطس
- 2 دقيقة قراءة
شقوق الماضي لازالت تنزِف
بقلم هاجر باباحج
بعيدا عن ضجيج مدينتي، لازالت أعرف الطريق نحو السكون والهدوء، فهما يبحثان عني ولست أنا من يفعل.
في كل مرة أقصد فيها قريتنا الصغيرة ( أوفوس)، يحدثني شيء بها عن ذكريات الماضي، عن الناس، رحابة صدرِهم وسعةِ خاطرِهم وعن أشياء أخرى ...، كلما حاولت إسقاطَها على وسطنا الحالي، لم أجد منها سوى القليل.
وكما هو الحال هذه المرة، بعد أن قررت زيارة بيت عائلتنا القديم. طرقت الباب، دخلت في هدوء تام كي لا أزعج سكون المكان، تصفحته بقلبي وعيني الكبيرتين، تساءلت عن تاريخه وعن إحساس تخبط بي بعد أن توسدت الأرض واتكأت على أحد جدرانه الطينية الهشة والممتلئة بالشقوق.
على حين غُرة خاطبني الجدار قائلا: تاريخ البيت عمر أجدادك رحمة الله عليهم، أما الشقوق، فهي لوحات فنية لوالدك، ولو دققتي فيها قليلا لرأيت أبيات من الشعر خطها بيديه وهو شاب في مقتبل العمر.
فقلت بتهجم (وأنا أتطلع لمزيد من الأسرار): مذا عن إحساسي الممزوج بالحنين والخوف؟
أجابني: إن انتماءك لشيء رغم غيابه الدائم عنك، انتماءك للأيام الجميلة والسعادة ...، كلها تعيش فيك رغم غيابك عنها، ربما تجرعتيها من والدك! فالنسيم هنا يحمل ضحكات كبار السن وحكاياتِهم، تفاني الأمهات في عملهم وصدق علاقتهم، ألعاب الأطفال التي كانوا يؤنِسون بها المكان، أحلام الشباب وذكرياتِهم، صوت الزغاريد، شيء من النحيب على فراق الأقارب ونغمات أحيدوس بالأعراس التقليدية.
هنا خبايا كثيرة، لا زلنا نعيش على إثر تخيلنا لها كي نستمر دون آلام. لقد كان هنا مئة شخص يعيشون على الدوام، يتقاسمون الهواء والقليل من الماء، مرارة العيش في شقاء والابتسامةُ لم تغادرهم يوما ، والتضامن كان فيهم فطرةً على الدوام.
سقط جزء من الحائط، و كأنها علامة انهيار وتألم جراء استحضار ذكريات من الماضي الجميل، الذي لم يعد له حضور بيننا.
وقفت مصدومة على إثر صوت الانهيار وعيناي مليئتان بالدموع.
وددت لو أجبت البيت حينها، لو أخبرته عن حياتنا الآن، عن بيتنا الذي يعيش فيه من الناس أب، أم، ابنة وولدان، كل يسعى من أجل حلم يعترف به لوحده، أما عائلتنا الكبيرة لم يعد يربطنا بها غير إسمنا العائلي ورسائل صوتية على الهاتف، فارقنا المكان وباعدنا الزمان. وعن والدي الذي أصبح يكتب الشعر في هاتفه، ويتقاسم معنا جزءًا منه فقط والعنوان. وعن غياب كبار العائلة و نبع الأمان ...
تنهدت وقبل أن أنطِق بكلمة، تذكرت أن هذا المكان مثقل بذكرياتٍ لم يعد لها تواجد وأخرى لا زالت قائمة بيننا، يكفيه منها ما يتجرعه من الفقدان.
أغلقت الباب وغادرت المكان، غادرت مكانًا لم يغادرني إلى الآن...
تعليقات