جو لا يرحم
- مريم بُلحرير
- 5 يوليو
- 3 دقيقة قراءة
مع حلول فصل الصيف، تتغير الإيقاعات اليومية وتتبدل الأحاسيس، ولا يقتصر هذا التبدل على الطقس فحسب، بل يمتد ليطال المزاج والحالة النفسية للعديد من الناس.
رغم أن فصل الصيف يُعدّ رمزًا للمرح والانطلاق، إلا أن الكثير منا يشعرون بتقلبات نفسية غير متوقعة خلاله، ولا يستطيعون تبريرها، ولا حتى كشف أسبابها. ففي حين يخطط البعض لقضاء العطلة في الاسترخاء والسفر، يجد آخرون أنفسهم غارقين في مشاعر التوتر أو الضيق أو اللامبالاة، وكأن حرارة الجو تطاولت على دواخلهم.
فما الذي يجعل الصيف، رغم سطوع شمسه، فصلًا يعاني فيه البعض من اضطراب المزاج؟ لنتناول تفاصيل هذه الظاهرة.
تؤدي الحرارة العالية إلى شعور عام بالإرهاق، بسبب فقدان السوائل والتعرق المستمر، ما ينعكس على القدرة الذهنية والمزاجية. الجسم في هذه الحالة يعمل فوق طاقته لموازنة الحرارة، مما يؤدي إلى ضيق الصدر والانزعاج المتكرر.
لا يخفى أن الليالي الصيفية تكون غالبًا أكثر دفئًا، وقد يؤثر ذلك سلبًا على جودة النوم. وقلة النوم ترتبط علميًا بزيادة مستويات القلق وتقلب المزاج.
يمتد ضوء الشمس لساعات أطول، ويؤثر هذا على إفراز هرمون الميلاتونين المرتبط بالنوم. كما تتأثر كيمياء الدماغ المسؤولة عن تنظيم العاطفة مثل السيروتونين، وهو ما يُحدث تغيرات ملموسة في المزاج.
يعتقد علماء النفس أن النظام العصبي اللاإرادي يتأثر بالتغيرات البيئية، خاصةً ما يتعلق بدرجة الحرارة والضوء. ومع ازدياد ساعات النهار وتعرض الجسم لكميات مفرطة من الضوء، يتأثر إفراز الميلاتونين والسيروتونين —هرمونا النوم والمزاج— فيكون ذلك سببا لتذبذب الحالة النفسية.
يتغير نظام العمل والدراسة خلال الصيف، مما يؤدي إلى اختلال في الروتين اليومي، ويشعر البعض بالفراغ أو ضياع الوقت، فيولد ذلك شعورًا بالقلق أو عدم الرضا.
يندفع البعض لممارسة عدد كبير من الأنشطة في فترة قصيرة، ما يؤدي إلى ضغط نفسي داخلي، خصوصًا إذا شعر الشخص بأنه "لا يستمتع كفاية"، أو أن وقته يُهدر بدون فائدة تذكر.
ولمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الانستغرام، التي يرى الفرد من خلاله صور الآخرين آناء عطلهم أو احتفالاتهم، فيبدأ لا شعوريًا بمقارنة حياته بهم. وقد يولّد ذلك شعورًا بالنقص أو بعدم الإنجاز، خصوصًا إن لم يكن في وضع اجتماعي أو اقتصادي يسمح له بالسفر أو الترفيه عن نفسه.
تكرّر رسائل ضمنية مفادها أن الصيف يجب أن يكون مليئًا بالسعادة والمغامرة، يجعل فاقذي الحماس يشعرون بضغط قاتل، يزج بهم في دوامة الشك الذاتي.
رغم انتشار "الاضطراب العاطفي الموسمي" في الشتاء، فإن هناك من يعاني من أعراض مشابهة في الصيف، وتشمل:
- فقدان الشهية
- الأرق واضطراب النوم
- حساسية مفرطة تجاه الضجيج أو الحشود
- القلق الحاد أو الانفعال غير المبرّر
ويرى المتخصصون أن هذه الحالة ناتجة عن فرط التعرض للضوء وتأثيره على التوازن الهرموني الداخلي.
السؤال الجلي الذي يطرح نفسه في هذه الأثناء هو كيفية معالجة تقلب المزاج الصيفي؟
في ما يلي مجموعة من الاقتراحات التي يمكنها أن تساعد على تخفيف تقلب المزاج:
1- الحفاظ على روتين ثابت قدر الإمكان :
النوم والاستيقاظ في أوقات محددة، مع الالتزام بنمط يومي حتى خلال الإجازة.
2- شرب كميات كافية من المياه:
الجفاف عامل رئيس في ضعف التركيز والانزعاج، لذا ينبغي ترطيب الجسم دائمًا.
3- ممارسة نشاط بدني معتدل:
الرياضة الخفيفة أو المشي في أوقات معتدلة الحرارة، تحسّن المزاج و تعزز إنتاج الاندورفين -هرمون طبيعي يعمل لتخفيف الألم والشعور بالسعادة- .
4- تقليل التعرض مواقع التواصل الاجتماعي:
تحديد وقت مخصص لها، وتجنّب الانغماس في المقارنات أو الصور المثالية.
5- قبول الذات والتعامل برحمة:
ليس من الضروري أن يكون الصيف مليئًا بالإنجازات. أحيانًا، الهدوء والتأمل قد يكونان الأكثر نفعًا للنفس.
ختاما، تقلب المزاج ليس عيبا... بل جزء من الإنسانية. مشاعر الضيق أو التوتر أو حتى اللامبالاة التي ترافق الصيف لا تعني أن هناك خللًا في الشخصية، بل هي استجابات طبيعية لتغيرات بيئية واجتماعية تؤثر على توازننا الداخلي. الأهم أن نعي هذه التقلبات، ونتعامل معها بوعي، دون جلد ذاتي.
تعليقات