قضية بيت المقدس ليست مجرد قضية صراع شعب مع غزاة، وليس فقط قضية دينية بكون ذاك المكان المبارك مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما هي مرآة تعكس واقعا نعيشه، فهي المحدد إن كنا في زمن الرخاء او الشدة ، القوة او الضعف ، العز او المذلة. فقبل فتحها الأول تحت قيادة الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، كانت تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية التي كانت قوة عظمى تفوق قوة الولايات المتحدة الأمريكية. أما المسلمين فكانوا في مرحلة الخروج من الحياة البدوية القبلية إلى نظام عالمي سيصل إلى المغرب الأقصى فيما بعد. ولكن بمنهاج نبوي وتربية نبوية استطاعوا مقارعة هذه القوة العظمى بعدما أسقطوا دولة الفرس. وأعادوا المسجد الأقصى من أيدي البيزنطة بمباركة أهل القدس المسيحيين .وتمكنوا بفضل هدا المنهاج وهذه التربية الحفاظ عليها لمئات السنين. حتى بعد الانكسار التاريخي وانقلاب بنو أمية على نظام الخلافة، بقيت القدس في أيدي المسلمين ما بقيت هذه المصاحبة النبوية. لكن مع تقهقر سلطان المسلمين وتفرقهم لدويلات تأكل بعضها البعض. تمكن الصليبيون من بلاد الفرنج وألمانيا و إيطاليا والفاتكان و مرتزقة أوروبا من العودة للأراضي المقدسة وإعادة احتلالها. وقد أقاموا فيها المذابح حتى انهم لم يفرقوا بين مسلم ومسيحي ويهودي. وعادت قضية بيت المقدس تعكس ذل وهوان المسلمين بعدما كانت تعكس عزهم وبأسهم. والآن لنسافر في الزمن حيت النقطة التي يعيد فيها نفسه، حيت فتحت القدس مرة أخرى ، على يد الناصر صلاح الدين .فلقد مر الرجل تقريبا بكل المراحل المسطرة في المنهاج النبوي حتى استطاع فتح القدس. جهز الجيوش معنويا وتربويا ، حول الدولة الفاطمية من المذهب الشيعي إلى المذهب السني، وركز على التعليم و التربية الإحسانية ، كما أنه جعل كل جيوش المسلمين تشارك في هدا الغزو. والنتيجة كانت فتح من الله بعد حوالي قرن من الإحتلال الصليبي. لكن خطأ واحد وقع فيه صلاح الدين هو أنه لم يخطط لما بعد الفتح. حافظ على الملك العاض ولم يطرد الصليبيون من بلاد الشام كلها بل ترك لهم ثغورا ، تقوت من بعد عودة ريتشارد، قلب الاسد ، وحصرت القدس ثانية. والآن لنتقدم في الزمن حتى نصل الى زمننا هذا ، فنحن في نفس الذل لأن الارض محتلة، وحكامنا يتقاتلون بينهم كما تقاتل الحكام في السابق ، وتكالبت علينا الأمم كما تكالبت على أجدادنا. وقد كانت لنا فرصة أيضا للتحرير وضاعت بسبب نفس أخطاء صلاح. ولكن كما قلت في العنوان فالتحرير ممكن ولكن فقط ان اتبعنا المنهاج ثانية، وجددناه وربينا جيلا تربية إحسانية، تعطيه القابلية لإستقبال هذا النظام العالمي وتطبيقه على أرض الواقع وجعل فلسطين هي البوصلة ، وبلداننا المسار. أي وجب تطهير بلداننا من المعيقات البشرية والإيديولوجية شبرا شبرا حتى أعتاب المسجد الاقصى، فالدرج لا ينظف من الاسفل. وبعد التطهير وجب التأكد بأن هذه الأورام لن تعود أبدا مستفيدين من أخطاء الأولين. فكما خاف البيزنطة من قدوم جيش الخلافة الراشدة ، و خاف الصليبيون من قدوم جيش صلاح الدين، وكذلك يخاف الصهاينة اليوم من قدوم جيل التحرير.. ونحن المغاربة أدرى بذلك . فالتاريخ يعيد نفسه ، لكن متى نتعظ.
top of page
bottom of page
コメント