وانت تتصفح شاشة هاتفك هذه الايام ستصطدم كثيرا بمشاهدة مقاطع فيديو غزيرة حول الوضع السياسي الجاري بأفغانستان؛ وستتردد كلمة طالبان على اذانك مرات كثيرة؛ وإن كنت من المتابعين للشأن الدولي فإنك ستقف لا محالة لقراءة مختلف التحليلات وتواكب أحذث التطورات هناك؛ ولا شك أن صدى هذا النزاع الطويل سيكتب فيه الكثير وبصيغات مختلفة ونوايا متباينة؛ فماذا يحذث في أفغانستان ؟
ما أشبه الليلة بالبارحة؛ أما البارحة قد كانت سقوط العاصمة الافغانية كابول عام 96 في يد قوات الطالبان منهية حكم الرئيس برهان الدين الرباني الذي ترك العاصمة كابول وهو غريمه السياسي قلب دين حكمت؛ اما الليلة فبعد عشرين عاما من سقوط حكم الطالبان عام 2001؛ على يد القوات الامريكية التي غزت البلاد وفي ركابها ما يعرف بتحالف الشمال الافغاني المعارض؛ فهي كابول تعيش ليلة سقوطها الثاني في يد قوات الطالبان وذلك بعدما سحبت القوات الامريكية جنودها من الاراضي الافغانية؛ وبذلك بسطت قوى الطالبان نفوذها على أغلب الولايات الافغانية وعواصمها ومدنها وبلداتها التي تهاوت كقطع الدومينو واحدة تلو الاخرى؛ الى ان وصلت للقصر الرئاسي بالعاصمة وتعلن عن حصولها للسلطة وبدايات استعدادها لاقامة مشروعها الاسلامي خلال الايام المقبلة .
ما بين استيلاء الحركة على حكم افغانستان في عام 1996 وفقدانها له؛ بعد خمس سنوات ثم عودتها كرة اخرى كانت افغانستان موضوعا لانشاء مشروع امريكي تم تنفيذه تحت ذرائع ونوايا مختلفة وبين كل هذه الاحذاث السياسية المتلاحقة أهدرت الكثير من الدماء وزهقت فيه الكثير من الارواح وخرج من فوهات الاسلحة ما لا يحصى من الرصاص .
وبين ما حذث عام 96 وما حصل لبارحة وما سيحصل مستقبلا تاريخ طويل من التقلبات والتحولات فحركة الطالبان في بداياتها ليست هي طالبان اليوم ورؤية امريكا للوضع داخل افغانستان فليست نفس الرؤية قبل عشرين عاما؛ وادراك الحقيقة بين مئات الروايات ومئات التحليلات والمقالات ولكل دوافعه خلف الكتابة فبين من يرى ان كل هذه الاحداث مجرد سلسلة من الحلقات التي تشرف على انتاجها امريكا وان كل هذه الاحذاث بتخطيط امريكي صرف وان حركة الطالبان برمتها مجرد اداة امريكية تحركها حسب تحرك مصالحها الخارجية؛ وبين داعم لحركة الطالبان كونها فكرة اسلامية ساعية لتطبيق شرع الله وحاربت امريكا وحلفائها طيلة عقدين من الزمان وخلال هذه المدة كانت الحركة رقما رئيسا وصعبا بمعادلة أفغانستان السياسية. والآن تتصدر المشهد في بلد أنهكته الحروب والصراعات استشهادا بمحطات تاريخية كبيرة في مسار الطالبان الممتد طيلة 27 عاما فبين الروايتين وبين التاريخ واليوم اضحى تقصي الحقيقة امرا صعبا وعسيرا ويختبئ خلفه الاهداف والنوايا ولو تعلق الامر باعلام بعيد على رقعة الحذث بالاميال والبحر الفاصل بين القارات والى هنا سننتظر ما ستجود به الساحة الافغانية من أحذاث والمؤكد ان كل هذا الصخب ليس الا البداية.
Comments