top of page

مراجعة لرواية "لقاء إبليس"

Ilyas Akrab

إن كنت تبحث حبكة تجعل عقلك العتيق يشغل محركاته وكلمات تدفعك لطرح تساؤلات وأسئلة أنت الوحيد القادر على اﻹجابة عنها، فتعال معي لنلتقي باﻹنسان والشيطان، بالتقي والعاصي في لقاء إبليس، في رقعةٍ ما في نقطةٍ بالصحراء انبثقت واحة المتعبدين نبع المنتهى، دينهم دين المحبة والعبادة المنقطعة لرب الموجودات الذين كرسوا أنفسهم له وعلموا أبناءهم ذلك.

بهذه الواحة الهادئة كان هناك بركان مشاعر بقلب شخص غريب أسموه أمير وتبناه أهل النبع بعد وفاة والديه خارج حدود الواحة، وهذا اﻷمير الذي تبنّاه الشيخ عزيز هو باحثٌ عن الحقيقة كما يبحث عن الاعتراف وتقبّل وجوده بين أشخاص متجذرين ومتأصلين، هو من لا يعرف أصله حاول التغلب على نقصه بأن كد واشتغل حتى صار طاووس الواحة وكلّفه الشيوخ بمهامٍ سامية كانت دومًا من نصيب أبناء النبع.

اشتغل بمنصب أمير وأوجد طريقة من الكتب العتيقة لتقطير العطر والاحتفاظ بالفاكهة، كان كل شيء على ما يرام إلى أن جاء آدم، آدم ابن الواحة المتأصّل الذي خرج باحثًا عن المعرفة وعاد ليعلق على أمير ويصحح طريقته فيسقط في يد هذا اﻷخير ويتمرد بعد أن أحس بنقصه وشاهد حقيقته المتمثلة في خادمة بالنبع، هي كذلك غريبة ولم تبحث عن التأصل.

كان الصراع بين آدم وأمير، فحكم المجلس على الطاووس بالاعتذار أو النفي فاختار النفي وخرج إلى ما خلف اﻷسوار التي لم يعرف سواها. تاه في الصحراء وجاء المنقذون الذين كانوا متوجهين للنبع وفيهم امرأة اشتعل قلبه من أجلها لكنها، ككل جميلٍ بحياته، كانت من نصيب آدم.

ينتهي الجزء اﻷول وينفتح ستار الجزء الثاني على القاهرة العتيقة حيث أمير “ابن البلد” وحيث آدم بائع المخدرات وبينهما العديد من الشخصيات. مَلَك المدمنة وأختها المقتولة أمامها على يد آدم، ابنتا إبراهيم اﻷب الروحي لأمير ويوسف ابن الحارة ومساعد آدم.

أ هي اﻷقدار أم يد متدخلة؟ لا أحد يدري السبب الذي جعل أمير يعمل بمقهى زينب خاتون في نفس اليوم الذي يلتقي فيه آدم وملك بذات المقهى وهنا كان اللقاء الثاني على شذى شعر المتصوفة الذي يذكرهما بالنبع. آدم سب أمير باللقيط الذي لا أصل له و كشف ما خبأه الطاووس منكسر الذيل طيلة عقد و أربع سنوات و هو ما جعل الانتقام بين الطرفين يكون حربا اﻵن فأمير صاحب اللوحات الظلامية والقتل الرحيم للمنبوذين يخرج من الغورية كما خرج من النبع لكن في الخروج اﻷول كان منكسرا وفي الثاني منتقم.

أمير يخطط ضد آدم و يسلبه سلعة كان سيهربها( ولعل الشيء الذي مازال يشغل بالي هو ماهية هذه السلعة) و مات يوسف في الحادث لكن آدم عاش و ما إن عاد للقاهرة حتى أصبح مهددا بالقتل بسبب السلعة و تتوالى اﻷحداث بين تعذيب و هروب بين القاهرة الفاطمية و جبل المقطم حيث البؤس كل من آدم وأمير محمل بأوزار ولكل جاء منقذ فكان مينا الراهب و عابد الصوفي لكن لا أحد منهما أنصت فغاب البياض بين سواد قلبيهما وكل يعلق آلامه على شماعة اﻵخر إلا أن لأمير الحظ اﻷوفر إن صح القول فبعد أن أخذ مال العملية بدأ بصرفه على عمليات رحيمة-شيطانية بين تمويل طبيبة إجهاض و تكهن مجاذيب وهذا كله حتى يغطي كبرياء نفسه القاتل والذي جعله يراقب آدم منذ خروجه من النبع وكانت له يد خفية في حياته كما عرف آدم بعد مدة طويلة.

من القاهرة للاسكندرية تؤخذنا الكاتبة بسمة لنغير أجواء التاريخ التاريخ الثقيل بالصوامع والمآذن إلى اﻹسكندرية المحروسة وبالضبط نتمشى مع أمير وديانا في الكورنيش وبمطعم فرنسي نشهد الاعتارف والعناق.

نعود للقاهرة و نحضر بقية قصة تورط آدم مع جماعة من القتلة في سبيل الانتقام الذي وجد أنه لا ولن يقدر عليه فحاول تحذير أمير وفي حياته إبقاء لحياة آدم بل و حياة النبع المقدس، لكنهما يقعان في الكهف و تكون النهاية.

صدقني أيها القارئ العزيز إن قلت لك أنني ممن يحبون معرفة النهايات وحكيها إلا أنني أخشى أن أفسد عليك متعة قراءتها وعيشها فلك أن تعيش لقاء الخير والشر في مكان وحيد وتشهد اللقاء اﻷخير: لقاء إبليس.

الرواية مصوغة في قالب جميل مليء بالتعابير البلاغية يجعلك تلتهم الصفحات دون أن تحس بالركاكة في اﻷسلوب ودون أن تمل الوصف الذي يطول او يقصر إلا أن هنالك نقاطا غفلت عنها الكاتبة ومنها المضي في اﻷحداث بسرعة فنحن لا ندري كيف رحلت ديانا وكيف مرت الثلاثة عشر سنة بحياة الشخصين ولا كيف غير إبراهيم أمير او حتى كيف تحول تفكير آدم، إلا أن هذا لا ينقص أبدا من الرواية وتسلسلها

بالرواية إيحاءات عديدة تدفع القارئ للتساؤل وإن سألتني عن رأيي، كنت لأقول أنها رواية فلسفية قبل ان تكون رواية أدبية فتجسيد الخير والشر ليس كما نعهده أبيض وأسود بل هو تجسيد حي.

لا أحد يولد شريرًا هذا ما تبدأ به الرواية التي جعلت من خطيئة الكبرياء محورها اﻷساسي في شخص أمير و معها خطيئة الغرور المتمثل في آدم و بينهما خطايا كثيرة كل لها شخصية كالإدمان في ملك و كالطمع في يوسف. بشر، الرواية تذكرنا اننا بشر مهما كان الشر مستحوذا علينا فإن لنا نقط بيضاء تذكرنا بفطرتنا الأولى قبل أن نتغير.

نعيش مع الكاتبة بسمة تيه الصحراء، مسيرة الخضر و سبات اهل الكهف و لكل رمزيته فكما للحية التي ظهرت عند خروج أمير سبب كان لموت كل جميل في حياة آدم سبب إنها الحياة والقدر.

أمير الباحث عن القبول و المذنب بخطيئة الكبرياء طوال الثلاثمئة وخمسين صفحة يحاول البحث عن الاعتراف بينما آدم همه هو تحصيل الشهوات لذلك فعند الانتقام كانت نقطة ضعف آدم هي قوة أمير الذي لم يولي للشهوات بالا بل على العكس حبه لديانا كان أفلاطونيا و يصرف من ماله دون حساب ولا ضعف عنده إلا الاعتراف بالخطأ و تقبل وجود آدم. لعل هذا يحيلنا لعلاقة جدنا اﻷول بأب الإغواء فكذلك هو كان طاووسا و سبب سقوطه كان كتلة طين و من بني هذا الطين المسمى آدم من حياته كلها تسير بهوى إبليس الذي يبرر لنفسه ويبرؤها كما يبرر أمير كرهه اﻷزلي.

أنا على يقين أني إن أطلت الحديث فسأحكي النهاية و أفسد السر، لذلك فلنجعل مقالنا ينتهي عند هذا الحد وكلي أمل في أن يقيد فضولكم لتلتقوا بإبليسكم في إحدى صفحات الرواية.

1 view0 comments

Recent Posts

See All

Comments


Post: Blog2 Post
bottom of page