سنحطُّ الرحال بليلة بديعة وجميلة لا تَزال تفاصيلُها محفورة بجدار العقل وذكرياتها منقوشة على حائط القلب، كان يومه القمر مُضاءً مكتملاً بل ومتوهجا، هي ليلةٌ سرمدية لن أنساها ما دمت حيًّا، ليلَتَها كنت قد أكملت المرة الألف التي أتغزل بكِ فيها، بريقٌ خالص كان ينبعثُ من خدك الوردي الملائكي ويشبه إلى حدٍّ بعيدٍ ضوء تلكَ النجوم التي تزَيِّن البساط السماوي في كل مرة من ليالي الصيفِ الأصفر، كنت معجزتي التي خصني اللهُ بها، كيف لا وأنا أكتشف كلَّ يوم حياة جديدة بين أحضانك، بل وأولدُ كلَّ صباح من جديد وأستيقظ على واقع أجمل وهو أنت يا ذات الروح الخفيفة المرحة.
في كلِّ مرَّةٍ كنت أراكِ فيها كان يبدو لي أن الحياة تنطوي على غموضٍ فاتن ولذيذ وهو الشغف بك، وبذلك كُنتُ أشرع في حبك من جديد وبوتيرة أقوى بعدما قضيتُ الدَّهرَ كلَّه محِبًّا، في كلِّ مرة رأيتُكِ فيها كانت نشوة البهجة والسرور تعتريني فأغوصُ بذلك في أغوار عشقِكِ والولع بكِ مكتشفاً بذلك أن كل التفاصيل التي بِتُّ أعرفها عنك ما هي إلاَّ سفاسِفُ بسيطة وأن الباقي يَستحِق عناء المحاولة وشرف المشاركة، ولأنني لستُ بالخجول أو السَّائِم المُستسلم فقد رميت بشباكي نحوك وانتظرت بصبر الصيادين أن تكشر تفاصيلك عن أنيابها، حتى تظهر لي وأظهر لها أنا الآخر فننسُجَ سويَّا قصيدة حبنا وقصة عشقنا الذي سيكون محطَّ الأنظار ومركز الاهتمام، رميتُ بنفسي في جُبِّ تفاصيلكِ وقد كان غائرا يعجُّ بالخبايا والأسرار وكأنكِ كنزُ -سلوسكا البولندي- فقد كنت عامرة بأجود الأشياء وأكثرها قيمة أنت الأخرى، ولأنني فضولي جامح كما أذوب عشقا في التفاصيل فقد قررت أن ألبس ثوب صائد الكنوز في رحلة اكتشاف خبايا ذاتك والعثور على كنوزك الثمينة التي تزخرين بها...
قصائد شعرية، سيمفونيات خالدة، أغاني كلاسيكية وأفلام من الزمن الجميل، قضيت الوقت كلَّه في السالفِ ذكره بل وامتهنتُ الترحال بين الأشياء تلك، حتى أصوغ من كلِّ فنِّ طربا وأتعلم أبجديات الحب وقواعده، أؤمن في كل مرة تمُرُّ بها صورتكِ بين شغاف قلبي ولا ضير في أنني أراك من خلاله لا من خلال عيني، أؤمن أشد الإيمان أنَّكِ ملكوتُ الرَّبِّ الذي أرسلهُ كي ينثر سحره سجيةً فينير دربي ويضيء عتمتي ويسقي أرض قلبي الموات بغيثٍ مباركٍ شريف، أنتِ وسيلةُ الرَّبِّ جلَّ عُلاه وقد سَخَّرِك لتهدي المُقعد داخلي إلى الصراط القويم والسبيل الحقِّ بل ولتكوني مصباحُهُ وعصاه التي يتكئُ عليها بل وحبلُهُ القويم، أراك المنقذ والرفيق بل أرى أسمى تجليات الإنسانية فيك ومن خلالك، كيف لا وقد زرعتِ الحُبَّ في أوصال قلب ضائعٍ أضناه المسير وصار يعتصر من فرط الألم وبذلك ألحد شريعة الهوى وكفر بكل كتب العشق وتراتيل الغرام، أنت السماءٌ المزدانةٌ بأشد اللآلئ أناقةً ورونقاً بل أنت الفضاء والكون في أبهى صوره وتجلي كمالِه سيدتي، كل الحياةِ قبلَكِ بربريةٌ وضائعةٌ لا ترقى لمستوى أن تعاش وكل الأيام قبلَ مجيئِكِ متشابهةٌ تعُجُّ بروتين قاتِل، أنت السكون والرحمةُ والرِّقةُ كُلُّها ولست أرهِقُ عقلي حتى أجد مبررا وسببا يدفعني لقول هذا سوى أنكِ أخرجتِ من جوفي حياةً بعدما كنت ميتا، أعدتِ قلبا للحياة بعدما كان قاسيا كصخرة أو جلمود جامدا كتمثال لا يجد للحراك سبيلا بل وباردا ككومة ثلج، في وصفكِ أحتارُ وتختلطُ عليَّ الكلمات بل وأصير أقرب للهذيان منه للكلام فقط كسِكِّير متَمِعَّج، أصغي مليًّا وأتوسل لكلِّ كلمةٍ في قاموسي أن تُظْهِرَ نفسها عَلَّني أجد ما يصفُ الشعور بدِّقةٍ ويعبِّرُ عن حقيقةِ ما يختلجُ فؤادي...
كنت الترياق الذي وقف كحدٍّ للمعاناة بل كنت بلسم الحياة الذي شفى كلَّ جرح وأحكم إغلاق كُلِّ الهواة العميقة بقلبي البريء، أنت من أزال الشرخ الغائر والخندق الساحق الذي أحدثهُ فِعلُ الزمان وعنفُ المكان، بذلتِ مجهودا جبارا وقمت بالأدوار كُلِّها تلكَ المنوطة بكِ كعاشِقَة متيَّمةٍ بل وأخرى كانت زيادة وفضلا من روح رهيفة مثقلة بالحب والإحسان، وما كان ذلك سوى طبعكِ وطبيعَتُك وليس غريبا عن صاحبة الفؤاد اللين الُمحِب الناضِح بالسرور والحبور، أغار منك أنا بل وتأخذني الدهشة في الرأفة والعطف الذي تمتعتِ به والذي ملأ قلبكِ على نحو بليغ وبطريقة راقية وأنيقة، كنت صاحبة اهتمام كبير حنان منقطع النظير ودلال مفرط يطير ليجابه ويلامس أفق السماء، كانت تأخذني الحيرة من أمري ولعلني رأيت ما حدث في مرات عدة كحلم وردي اللون حط الرحال بأصقاع قلبي ولا بد من أنني سأستفيق منه قريبا، ولستُ أُلام في هذا فليس الكل يمتلِكُ بصُحبته أنثى بهيةً وآسرة تَخُصُّهُ بكل الحب والحنان بل وتزخرف عالمه بأشد المشاعر جمالا وأكثرها نقاء...
رأيتُ فيكِ عالمي ومعْلَمَتي التي سأدخل بها التاريخ من أوسع أبوابه وسأُعلِنُ من خلالها بداية الخلود، كانت كل الطرق بحياتي شائكةً آفلةً بل وأكل عليها الدهر لكن في حضورك بدت كل الدروب واضحة وأضحى السبيلُ ممهدا لكتابة المجدِ بحروف من ذهب، في حضوركِ كنتُ مستعدا للوقوف بفوهة مدفع دونما خوف أو تردد بل وكنت لأفعل أكثر من هذا فأنت الدافع القوي والسببُ الحتمي، قدومكِ أضفى على الحياة رونقا خاصا وجعل أشد الأمور صعوبة وتعقيدا تُنْجَزُ بسهولة بالغة دونما عناء، حُبكِ سيدتي حَوَّل من المُقعَدِ داخلي إلى متهور مندفِع قد يُعلِن التمرد لأتفه الأسباب كما لو أن عقلَهُ غائِبٌ لا يبالي، لأَجلِكِ مولاتي كنتُ لأثور في وجه الحياة جملة وتفصيلا بل كنتُ لأقيم ملحمةً ضروسا واقتتالا بسوسا تقشَعِرُّ له الأبدان والأفئدةُ قاطبةً... ما كنْتُ لأقبل ولو بأصغر الهزائِم في حضورك يا سيدةَ قلبي ومَلِكةَ عقلي، ما كنت لأَجعلَ قصةَ حبنا الأُسطوريَّةِ عرضة لأن تتلطخ بخزي أو غيره، لربما كنتُ سأفضِّلُ أن أنسلخ من جلدي كبد ليس منه بُدٌّ حتى ينزجر عشقنا الخالد عن كل خسارة ستُخلَّد كوصمة عار تطبع جبيني. وجبين من؟ جبين رجل حوَّلَهُ حبُكِ إلى أعتى الجبابرة بل وصار ثائرا يصيح في وجه الحياة بكل الضراوة والشراسة، ثائرٌ شرب من كأس حب النفسِ حدَّ الثمالة مستعِدٌّ لأن يُقفِرَ نفسهُ في جحيم نار لهيبها لا تبقي من الجسد غير حفنةِ رماد.
أقساط تعب أشياءُ مؤرقة وتَكالُبُ دَهرٍ ظننتهُ لن يزول أبدا ولا مناص من التعايشِ معه، كُلُّ السالِّفِ ذكره زال في لمح البصر مُذ جئت فجاء معكُ الأمل كلُّه بل وكشَّرت السعادة عن أنيابها في وجهي بعد زمن طويل، كنتِ البلسم وقت الجراح ووطنا وقتَ الوحدةِ والانكسار كما رميتِ بكُلِّ الحماسةِ والشغفِ أمام عتبة باب قلبٍ كان كسيرا في أمس الحاجة، أنت ملاك من السماء بل أنتِ وردة زهرية اللون تسللَ عطرها لأنفي فسُرَّت به روحي واستبشر به فؤادي، بحضورك سأكون ساكنا جانحا وخاضعا كطير كروان بهي ولحظة المساس بك سأضطر أن أصير عقابا كاسرا صاخبا بل ليثا ضاريا مندفعا لا يهابُ أحدا ولا يُحَرِّكُه شيء سوى حبُّكِ
Comments