_ "يا إلهي !! إن الأمر حقيقي .."
مر يومان على قضائنا على الخادم الأول لابريس، عشتار .. وها أنا أتأكد بنفسي بأن كل ما قاله الفقيه عن الكتاب حقيقي، خصوصا بعد أن ظهرت تلك العجوز الشمطاء في إحدى صفحاته .. والتي كانت تحمل نفس صفات مجرمة الحب عشتار .. قضينا تلك الليلتين في فندق متواضع لنبتعد عن أي احتكاك بالمحقق تفاديا للنقاشات الحادة معه، منتظرين أي خبر عن أي غريب آخر أو عن ابريس نفسه..
ماكاين والو في الدار غير أنا!! قاليها: ريحة الناس ناس في بلادنا يا عبادنا! جاوباتو هاينة: غير ريحة الورد والقرنفل والريحان وانا ..
منين وصل وقت نعاس الغول شد شعر هاينة ولفو على رجليه باش ماتقدرش تنوض وتهرب، ولكن هاينة هاذ المرة دوات مع النملة الرقيقة، وطلبت منها تفك ليها شعرها من رجلين عمي الغول فاش ينعس.. وهاكا، بدات النملة تسل ليها بالزغبة بالزغبة حتى فكاتها، طلعات ولد عمها من المطمورة ورشات الدار مرة ثانية بالخلطة لي دقات وهربوا..
_ "بنيّ، حضّر نفسك، قضية أخرى .. تنتظرنا !!"
في تلك الأثناء، كنت متكئا على سريري في غرفة الفندق وأنا أقلب صفحة كتاب شالة اتي ظهرت عليها العجوز الشمطاء، وأستمتع بعذوبة صوت أمي على المسجل .. أنتظر الفقيه الذي ذهب ليأتينا بالغذاء بعد العمل الذي حصل له في مسجد الفندق مقابل المبيت والمأكل .. ولج فجأة الغرفة وهو يأمرني بالنهوض ..
لكن هاينة مادارتش محساب المهراز لي دقات فيه، كيف خرجوا من الدار بدا تيتهز حتى للسما ويتخبط مع الأرض ويقول: طن في راس الغول .. آفطن هاينة مشات يا الغوال .. ويتهز ثاني ويتخبط ويعاود: طن في راس الغول .. آفطن هاينة مشات يالغوال ...
_ "أمرتك أن تحضر نفسك يا عدنان .. كفاك كذبا على نفسك ..!!"
يأتي الفقيه مرة أخرى، يقطع عليّ المسجل، أنظر إليه بالمقلوب نظرا لوضعية اتكائي _ رجلي على الحائط ورأسي على السرير _ غيرت وضعيتي وجلست أسأله إن كان قد أحضر معه ما أسكت به عصافير بطني .. رمى عليّ بعلبة طعام وأمرني أن آكل بسرعة لنخرج لأن طريقا طويلة جدا ما زالت بانتظارنا ..
فاق الغول من نعاسو وبدا يشمشم وتبع طريق هاينة .. تلفتات هاينة بانت ليها عجاجة كبيرة تابعاهم وفاش قربات العجاجة لقاتو الغول جاي يجري وراهم .. وهي تعيط ناري يا ولد عمي الغول تابنا وقرب لينا، اليوم لا نتا ولا انا!
لاح ولد عمها قفة البراوات تغرسوا في رجلين الغول وبقى ينقي فيهم حتى بعدوا عليه، ومنين كمل التنقية تبعهم ثاني، وفاش يقرب ليهم هاينة تقول اري يا ولد عمي الغول تابنا وقرب لينا، اليوم لا نتا ولا انا!
لاح ولد عمها قفة المخايط، الغول بقا ينقي حتى بعدو عليه ومنين كمل تبعهم ثاني .. رمى ولد عمها قفة السكاكن وفلحو للغول رجليه مزيان، وبقى ينقي ينقي حتى بعدو عليه .. ومنين كمل تبعهم ثاني .. رمى ولد عمها قفة الملح وفاش الغول مشا فوق منها حرقاتو في جروح رجليه ومابقاش قادر يزيد ..
بعد أن أكلت، غيرت ملابسي وأخذت حقيبتي، وضعت المسجل على أذني وانطلقنا باتجاه محطة الحافلات ..
_ "لن تسألني مرة أخرى عن وجهتنا ؟؟" كعادته حرمني من متعتي، عندما انتزع المسجل من يدي وأطفأه، نظرت إليه مظهرا تضايقي من تصرفاته، أمرته أن يشغله مرة أخرى لكن لم يبد اهتماما بل استهل كلامه: "في الوقت الذي ذهبت لجلب الغذاء .. كنت أجالس الطباخ بمطبخ الفندق، وكانت التلفاز مشتغلا، انتبهت إلى الأخبار لأجد المقدمة تتكلم عن فتاة توفت الليلة الماضية وهي في فراشها"
أجبته بأن الناس يموتون في كل مكان، وأغلبهم على فراش النوم، ثم سألته عن علاقة هذا بقضيتنا ليكمل:
_ "أعرف، المشكل ليس هنا .. المشكل أن الدماء لم تتواجد بعين المكان .."
لم أفهم كلامه، اكتفيت فقط بالنظر إليه نظرات استغراب، عندها أشار إلى الحافلة منبها إياي بالوصول إلى المحطة، أخذنا تذكرتين نحو وجهتنا .. ركبنا واستلقينا كعدتنا نائمين في الكراسي الخلفية على أصوات شريط أم كلثوم، كيف لا وهو الشريط الوحيد الذي يملكه العم المختار ..
شوارع نظافتها جعلتني أرغب بالمكوث بها، منازل بساطتها وقِصر سقفها جعلتني أنسى مسقط رأسي الرباط الذي يخنق الأنفاس بكثرة سكانه وبنياته التحتية المبالغ فيها، رونقها الأحمر وجبالها المحيطة بشمالها غمراني بشيء من الابتهاج الذي خفف من عبء التفكير الدائم في المهمة شيئا ما.. ثمارها المجتاحة للأسواق أكدت لي غناها، مدينة عرفت بهدوئها وسلامها عبر الأزمان، مدينة الراشيدية .. المدينة التي ستتم فيها مهمتنا الثانية ..
وصلنا بعد حوالي خمس ساعات من علمنا بالقضية، كان اليوم يشرف على انتهائه والشمس تتهيأ للغروب، كنت أتساءل طوال الطريق عن مقصده من كلامه عن الدماء .. ولاحظ هو تساؤلاتي على مر الطريق .. لكن كان يستمر في ابتسامته الخالية من أية إيجابة كأنه ينتظرني أن أسأله بالرغم من خجلي من كثرة الأسئلة .. هكذا عندما وصلنا، ذهبنا إلى بقال .. ابتعنا ما سمحت به إمكانايتنا المادية باقتنائه، فجأة وأنا أضع كأس الحليب على شفتيّ صدمني بقوله:
_ "الضحية التي وجدوها هذا الصباح، لم يجدوا أي دماء محيطة بها، لكنهم لم يجدوه حتى في الداخل .. كل العروق داخلها كانت..." صمت متحسرا، رمى اللقمة في فمه ثم "..فارغة تماما من الدماء .." وأنا أضع الكأس على الطاولة نظرت إليه نظرة مطولة لعله يزيل استغرابي الظاهر والمتوقع، كيف يمكن أن تكون فارغة تماما من الدماء؟ لكنه بدل أن يزيل الغموض عن حروف، زاد دهشتي باسترساله:
_ "المشكل أنها لم تكن مجروحة حتى .. ولا أحد يعلم كيف غادرت كل تلك الدماء دون أثر ..."
Comments